2021-03-22 

( إنه الرزق ) ؟!

غالية خياط


كاتبة سعودية
@Ghaliahk

     العلاقات المنتشرة تحت مسمى الحب الذي يخلط كثير من الناس بينه وبين شعور الحيازة والتملك، حيث أنهما متشابهان ولا يلتقيان. فالعلاقة الأسمى لا تنتهي ولا تتأثر بحياة، أو موت، أو غياب، وحضور. شعور الحب خلاق، وملائكي، وعلاقة مزدهرة وصحية، وضرورية جداً للحياة. وهذا عكس شعور الحيازة والتملك فهو مدمر وغير صحي وغير آمن للنفس؛ ولهذا وجب أن تقيم علاقتك بنفسك، وبزوجتك وأبنائك وكل ممن ظننت أنك تحبهم.  

      الحب وفقًا لليونانيين القدماء يمكن تصنيفه تحت ثمانية أنواع:( أولاً: الحب غير المشروط المسمى (أغابي). ثانياً: الحب الروماني المرتبط بالجسد غريزي للتناسل وللعشاق وهو حب (ايروس). ثالثاً: الحب الحنون بين الأصدقاء وهو (فيليا). رابعاً: حب الذات ” النرجسي“ وهو (فيلوشيا). خامساً: الحب العائلي دون انجذاب جسدي وهو (ستورغ). سادساً: الحب الأبدي شراكة أبدية كالأزواج القدماء لا يمكنهما الانفصال فكلا الطرفين يقدم التنازلات وكل منهم يبذل جهدأً متساوياً وهو (براغما). سابعاً: الحب الطفولي الحب من أجل المرح والمتعة المؤقتة وهو (لودوس). ثامناً: الحب المهوس، التحكم في أفكار الفرد والسيطرة عليه ويصل إلى حد التملك فهو (مانيا).
إن البشرية في أشد تقدمها العلمي والتكونولوجي بدائية جداً في مسألة العاطفة الفطرية، فالسعي وراء الحب من الذات أم من أجل الغير تجربة جميلة يستطيع الإنسان أن ينتقل من مرحلة الأنا إلى النضج والمشاركة، وكل البشر يستحقون التودد والانتماء والتقارب عن طريق الشريك أو الطرف الآخر. الحب طاقة فطرية مشعة يشد أواصر الأسرة وينشأ الأطفال في جو إيجابي وله أثار نفسية عظيمة، يبنى على سعادة الطرفين، فهو ليس أعمى كما يقال، ولكن كلا الطرفين وجد العيوب في الأخر، ولكنه تعايش معها والحياة تنشأ على احترام متبادل وثقة. فالحسنات تذكر وتمحي السيئات، وتجعل القلب رقيقاً لا حقودًا يجمع الأخطاء في سلة وتُقذف في أقرب خصام وتبدأ المشاحنات والتدقيق في الأخطاء كالنظر في الفواتير والحسابات. ومهما كانت الخلافات فإن المهم أن نبقي خيط التواصل لا أن نقطعه إن الحب يعالج ولا يجعل الجروح الغائرة تكبر، مع ضرورة الفهم بإنه لا يوجد شخص كامل، وأن العلاقة أشبه بسفينه تعني أن غرقها قد تغرق الطرفين.
قال صل الله عليه وسلم في حب السيدة خديجة ( إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا )، فالحب رزق عظيم ليس له تاريخ انتهاء حيث إن المصطفى عليه الصلاة والسلام ظل يحب زوجته خديجة ويذكر خيرها حتى بعد وفاتها، فأحبها وامتن كثيراً لفضلها عليه صلى الله عليه وسلم. مما ذكرنا أن الذي نعينه والذي نستحقه هو حب (أغابي) أو الحب غير المشروط من الإثار وأن يتصل بالروح لا الشكل، ويستمر ولا ينقطع حتى لو انتهت المصلحة، يأخذ بيدك لطريق النجاح لا يلغيك باسم الغيرة والحماية.  

الحب المهوس (مانيا) أو حب التملك والحيازة متشابه للحب الذي نعتقده بسبب تعريف الإعلام له بصورة خاطئة، فهو عكس كل ما سبق طرحه، خاصة أنه قد يقود للجنون والغضب من أصغر الأمور والغيرة الحمقاء، والجدال الدائم ويكون مطعماً بالتنقيص والسباب، ويريدك كاملاً لا يعترف بالنقص أبداً. ويعاني ممن يحبون هذا الحب من تدني احترام الذات، يخشون فقدان حبهم مما يجبرهم على قول وفعل أي شيء مجنون وخطير من أجل الاحتفاظ به، وعدم  كبح جماح سلوكياته المتطرفة مثل أعمال العنف تجاه نفسه والأخرين إن لم يستطيع السيطرة عليه. حتى تصبح الغيرة المفرطة مع مرور الوقت إلى (*بارانويا)، وتنهدم العلاقة في أخر المطاف. 

الخاتمة: أن أي علاقة صحية تؤدي إلى حب النفس وعمارة المجتمع وتستمر بذات الجودة رغم أعباء الحياة والمشاكل فهو "رزق" الحب الذي نطلبه من الله عزوجل. والعلاقة التي تسجنك وتحد من قدراتك وتنقص منك ومن عافيتك، وراحتك فهي علاقة سامة ليست حب كما تظن وينهي بالشعور بالأمان فيها وتتلاشى. 

*البارانويا: جنون الارتياب الاتهامات الباطلة والشك وسوء الظن والتآمر وهو مرض نفسي.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه