2020-11-24 

منظمة التعاون الإسلامي في قلب المصالح الاستراتيجية للدول الإسلامية

ضياء الدين سعيد بامخرمة

تعد منظمة التعاون الإسلامي OIC) ) ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة. وتضم 57 دولة عضو موزعة على ثلاث مناطق جغرافية (الدول العربية ودول آسيا والدول الإفريقية).


ورغم أن المنظمة تعد الصوت الموحد للعالم الإسلامي الذي يضمن ويحمي مصالحه في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فإنها في الوقت نفسه عالمية بتوجهاتها وفلسفتها وبرامجها الهادفة إلى نشر وتعزيز القيم الإسلامية النبيلة المتمثلة في السلام والرحمة والتسامح والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية. كما ترسخ المنظمة التعايش السلمي والتبادل الثقافي بين الحضارات والأمم، وتسعى جاهدة للعمل من أجل تعزيز الدور الريادي للإسلام في العالم مع ضمان التنمية المستدامة والتقدم والتطور والازدهار لشعوب الدول الأعضاء.


ومن أبرز ركائز المنظمة أيضا توحيد جهود الدول الإسلامية والمحافظة على وحدتها وتماسكها ودعم كفاح الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال  وتمكينه من الحصول على حقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف، مع المحافظة على طابعها التاريخي والإسلامي وعلى الأماكن المقدسة فيها، وقد حملت – ولا تزال- على عاتقها منذ تأسيسها عام 1969م هذه المسؤولية العظيمة.


كانت- ولا تزال- القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى لمنظمة التعاون الإسلامي، ولا غرابة في ذلك فقد تأسست المنظمة عقب حريق الأقصى الشريف في 21 أغسطس 1969م من أجل الدفاع عن شرف وكرامة القدس وللتذكير، فقد تأسست المنظمة في 25 سبتمبر 1969مـ، أي بعد الاعتداء على الأقصى الشريف بشهر واحد، في العاصمة المغربية الرباط. وبعد ستة أشهر من الاجتماع الأول، تبنى المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء الخارجية المنعقد في مدينة جدة السعودية في مارس 1970م، إنشاء أمانة عامة للمنظمة، كي يضمن الاتصال بين الدول الأعضاء وتنسيق العمل.
وتشكّل فلسطين والقدس القضية المركزية للمنظمة ومصدر وحدتها، وقوتها، وعملها الإسلامي المشترك، ومحل إجماع الدول الأعضاء وسعيها المشترك نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنجاز حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.


وأكدت الأمانة العامة مرارا وتكرارا أن مبادرة السلام العربية لعام 2002، بعناصرها كافة وتسلسلها الطبيعي كما تبنتها مختلف القمم الإسلامية ومجالس وزراء الخارجية المتعاقبة، تشكل خياراً استراتيجياً، وفرصة تاريخية، ومرجعية مشتركة يجب أن يستند إليها الحل السلمي العادل للنزاع العربي الإسرائيلي، شاملا تقرير المصير وإقامة دولة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية مع الحفاظ على طابعها.
وبصفتها عضوا في كل من منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، أكدت جمهورية جيبوتي، في مقابلة حصرية أجراها التلفزيون الوطني مع رئيس الجمهورية إسماعيل عمر جيله في 23 سبتمبر 2020، التزامها بالدعم الكامل للحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي.
وقال فخامته "نحن عضو في جامعة الدول العربية ونتفق تماما مع مبادئ هذه المنظمة التي تشير في قراراتها إلى أن تطبيع علاقات دولها الأعضاء مع إسرائيل مرتبط بحل الدولتين، فنحن على العهد ومتمسكون بالتزامنا تجاه القضية الفلسطينية".
في الوقت نفسه، أعلنت المملكة العربية السعودية عبر وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، التزامها بخطة السلام العربية في علاقاتها مع إسرائيل. وقال الوزير إن "المملكة العربية السعودية تظل ملتزمة بالسلام كخيار استراتيجي يقوم على خطة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة التي تسمح للشعب الفلسطيني بإقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية".
وانطلاقا من عالمية توجهها، فقد عملت منظمة التعاون الإسلامي منذ نشأتها على تحقيق أهداف منها:
_ الإسهام في السلم والأمن الدوليين، والتفاهم والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، وتعزيز العلاقات الودية وحسن الجوار والاحترام المتبادل والتعاون وتشجيعها؛
_ تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية والحكم الرشيد وسيادة القانون والديمقراطية والمساءلة في الدول الأعضاء وفقا لأنظمتها الدستورية والقانونية، وتعزيز الثقة وتشجيع العلاقات الودية والاحترام المتبادل والتعاون بين الدول الأعضاء، وبينها وبين غيرها من الدول؛
_دعم القيم الإسلامية النبيلة المتعلقة بالوسطية والتسامح واحترام التنوع والحفاظ على الرموز الإسلامية والتراث المشترك والدفاع عن عالمية الدين الإسلامي؛
_ النهوض باكتساب المعرفة وإشاعتها بما ينسجم مع مثل الإسلام السامية لتحقيق التميز الفكري؛
_ تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة بما يساعدها على اندماج فعلي في الاقتصاد العالمي؛ وفقا لمبادئ الشراكة والمساواة.
_ حماية وتعزيز كل الجوانب المرتبطة بالبيئة لفائدة الأجيال الحالية والمستقبلية.
وقد تعاقب على الأمانة العامة للمنظمة 11 أمينا عاما من 10دول إسلامية، تم انتخابهم من مختلف المجموعات الإقليمية بالمنظمة وفق ميثاقها ولوائحها وأنظمتها الداخلية. ونجحت خلال نصف قرن من الزمن، في توصيل الصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين ومواجهة مختلف مظاهر الإسلاموفوبيا، كما ساندت- ولا زالت- الأقليات العرقية والدينية في مختلف أنحاء العالم، ويجب أن تظل على ذلك النهج القويم والصحيح والعادل.
جدير بالذكر أن جهود منظمة التعاون الإسلامي ليست مقصورة على الجانب السياسي بل اضطلعت بأدوار اقتصادية وتنموية وثقافية وإعلامية كان – وما زال - لها أبلغ الأثر في النهوض بالعمل الإسلامي المشترك؛ فالبنك الإسلامي للتنمية، ومقره في جدة، وهو واحد من الهيئات المنضوية تحت منظمة التعاون الإسلامي، يعمل على تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلدان والمجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، من خلال تقديم المنح والقروض الميسرة للدول الأعضاء.
وتتولى اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري  COMSEC، ومقرها في اسطنبول، تعزيز التجارة والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، كما تختص بوضع الأطر القانونية للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف، بينما تمثل الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة، ومقرها في كراتشي بباكستان، القطاع الخاص في الدول الإسلامية وتهدف  لتعزيز التعاون في مجالات التجارة، التقنية المعلوماتية، التأمين/وإعادة التأمين، الملاحة، البنوك، الترويج للفرص الاستثمارية، وتنمية المشاريع الاستثمارية المشتركة فيما بين البلدان الأعضاء.
وثقافيا، تعمل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ومقرها في الرباط، وهي إحدى المنظمات المنتمية لمنظمة التعاون الإسلامي، على تحقيق التنمية المستدامة وتمكين النساء والشباب وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والابتكار  الاجتماعي والتكنولوجي والحوار والتعايش وحماية التراث، وذلك من خلال إنتاج المعرفة ودعم الابتكار.
وفيما يتعلق بتوحيد الجهود الإعلامية في الدول الإسلامية، فإن من أبرز مهام اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية  " كومياك"، ومقرها في داكار بالسنغال،  تعريف الرأي العام الدولي بقضايا الأمة الإسلامية السامية وبخاصة قضية فلسطين والقدس الشريف ولمواجهة الحملات المغرضة ضد الإسلام والمسلمين، كما أن من مهام اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية متابعة تنفيذ القرارات التي يتخذها المؤتمر الإسلامي في مجالات اختصاصها وبحث وسائل دعم التعاون بين الدول الأعضاء في المجالين الثقافي والإعلامي وإعداد البرامج والمقترحات التي من شأنها دعم قدرات الدول الأعضاء في هذه الميادين. وتلك أهداف يعضدها عمل كل من اتحاد وكالات الأنباء الإسلامية (يونا)، واتحاد إذاعات الدول الإسلامية (إسبو)، ومقرهما في جدة.
صحيح أن منظمة التعاون الإسلامي تمثل الدول الإسلامية كافة وتعتبر الصوت الجامع للأمة الإسلامية، ولكن يجب ألا نغفل عما قدمته ولا تزال تقدمه المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك فيصل رحمه الله  وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله من دعم مادي وسياسي ومعنوي لهذه المنظمة العملاقة التي تتخذ من مدينة جدة مقرا لها. ولا غرابة في هذا الدور العظيم؛ فإن المملكة قبلة الإسلام والمسلمين وقائدة العالم الإسلامي والعربي بما تحظى به من ثقل سياسي واقتصادي ومكانة استثنائية، إضافة إلى ما حققته من أمن واستقرار في الجزيرة العربية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز رحمه الله، وما قدمته من تسهيلات وخدمات لتأمين طرق الحجاج والمعتمرين.
وفي الختام، فإن المسؤولية الملقاة على كيان بحجم منظمة التعاون الإسلامي عظيمة جدا، وإن ما نشهده في الوقت الراهن في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي من تطورات مقلقلة على مختلف الأصعدة يضع أمامها تحديات جسيمة يستلزم تجاوزها تعزيز الجهود المبذولة لتوحيد جهود الدول الإسلامية والمحافظة على وحدتها وتماسكها، وتأكيد مرجعية المنظمة من خلال ترسيخ رسالتها السامية، وتعزيز لوائحها وأنظمتها، وقطع الطريق أمام أي محاولة لتفكيك وحدة الأمة من خلال إنشاء كيانات موازنة ذات أهداف ومآرب خاصة.  
 



** سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة العربية السعودية  
**مندوب جيبوتي الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامي
 
 
 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه