2020-08-23 

لاتصورني

حنان الحمد

تعمل الهيئات العالمية والدول على "تمكين المرأة" وتضع لذلك الخطط الاستراتيجية والمشاريع والمبادرات، وهذا يعني أنهم يهتمون في رافد اقتصادي مهم جدا من رأس المال البشري، مما يؤدي إلى تحسين ظروف المرأة الإنسانية ويمكنها من الحصول على حقوقها بسبب القوانين والتنظيمات التي توضع لغرض تمكينها.

المملكة العربية السعودية ليست حديثة عهد في " عمل المرأة"، ففي حياة ما قبل النفط كانت المرأة السعودية شريكا اقتصاديا مهما وقامت بأدوار رئيسية لتوفير حياة كريمة لها ولأسرتها، وكانت تقدم الدعم الممكن من خلال القيام بكل ما هو متاح من العمل الشريف والذي كان يشجع عليه المجتمع أنذاك ويتقبله، فمن عاش أيام ما قبل الطفرة وبعدها بقليل شهد أعمالا مختلفة تقوم بها النساء، فقد كان بعضهن يساعدن العائلات الميسورة الحال في طهي الطعام بأجرة سواء كان مالا أو حصة من الطعام لها ولعائلتها، والأخرى تساعد جارتها في أعمال المنزل لمقايضتها بما تحتاجه لمنزلها، وهناك فئة منهن مارسن تجارة منتظمة يطلق عليهن "دلالات"، يعرضن بضائعهن من ملابس صنعنها بأنفسهن أو عطور وأدوات زينة، ولعل "البيز" كان الأشهر لديهن حيث كن يصنعنه من بقايا الأقمشة ليكون معينا للسيدات على فتح غطاء القدور الساخنة بدلا من "الشيلة"، أما من لم تجد عملا في المنازل فكانت تساند أسرتها في العمل في المزارع لحصد المحاصيل للحصول على قوتها وقوت أسرتها أو علفا للبهائم - أجلكم الله - التي تمتلكها أسرتها ، ولعل زوجة مالك المزرعة وأبنائه وبناته كانوا يشاركونها العمل فلا فرق حقيقي بين طبقات المجتمع السعودي آنذاك.

كل أولئك النسوة لم يكن يعانين من أي ضغوط اجتماعية واضحة وإن وجدت فتكاد لاتذكر، ولم يكن هناك مساحة من الرفاهية ليراقب الناس بعضهم بعضا، وكان شعار المجتمع "توفير لقمة العيش الحلال"، كانت قيم الثقة والاحترام هي المحركة لهم، فلا يمكن لسيدة أن تتعرض لقذف أو شتم لمجرد أنها سعت في مناكبها، وكن السيدات العاملات محافظات على أنفسهن فلا يمكن أن يتعدين خطا أحمرا بالدخول إلى أماكن شبهة ونحو ذلك ، وأنا لا أتحدث عن ملائكة بل عن السائد في ذلك الحين.

وبعد الطفرة انتقل المجتمع بكامل عدته وعتاده ليعيش نفس المستوى تقريبا من الرفاه، فالجميع تعلم والجميع توظف والجميع انتقل ليعيش في بيوت كبيرة مساحتها تفوق الألف متر ، وأصبحت أيدي السيدات ناعمة لا يليق بها سوى الغالي والنفيس، وبدأ يظهر تقليص لدور المرأة الاقتصادي فظهر ما يسمى "عيب"، وعانت السيدات اللاتي لاتزال أيديهن خشنة من محدودية فرص العمل، كانت فرص المرأة محصورة في العمل في مجال التعليم والطب "بشكل محدود جدا".

وبعد غزو التدين المتشدد الحزبي للمجتمع، كانت المرأة هي ملعبهم الذي يبرعون فيه وأثر ذلك على دورها في تنمية الاقتصاد ودعم الأسرة ليصبح محصورا في التعليم فقط، فقد تم قتل جميع فرصها بحجج شتى ، منها سد ذرائع الفتنة والحلال والحرام وحتى لا تصل إليها أيدي الذئاب البشرية الخ ... ، فبدأ زحف العمالة لسد الفراغ الاقتصادي الذي ظهر بسبب إقصاء المرأة وتجميد هذا الجزء من رأس المال البشري، ولتظهر مع ذلك طبقة من النساء - ممن لاتزال أيديهن خشنة - واللاتي يستجدين المساعدة وفرصهن في الحصول على عمل شريف تعتبر صفر، وقد كان منظرها إجداهن وهي تبيع مناديل تحت الشمس لايحرك لدى هؤلاء ساكنا ولا إحساسا ليمعنوا في تحريم عمل المرأة ومحاولة قمع من يعملن في مجال الطب وليصل الأمر لحد تنظيم تجييش مجتمعي لإساءة سمعتهن.

ومع كل إمراة معطلة اقتصاديا داخل المنزل دون إنتاجية كان هناك شعوب وقبائل تحتل سوق العمل لتتقاسمه أمام أعين المجتمع الذي انشغل بصراعات لاتسمن ولاتغني من جوع، فزاد أعداء عمل المرأة عدوا جديدا لايريدها أن تظهر في الصورة الاقتصادية هو العمالة الوافدة .

وعندما قررت القيادة الاستفادة من هذه الثروة المعطلة اقتصاديا، ظهرت ثورة تمكين المرأة بقيادة ملوك السعودية والتي بلغت أوجها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمد الله في عمره وأيده بتأييده وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أعزه الله وحفظه ، فسُنَت القوانين والأنظمة التي تحقق للمرأة الاستفادة من قدراتها في الاقتصاد السعودي والتي تسهل ممارستها لعملها دون معوقات، فمن أحقيتها باستخراج بطاقة الهوية الوطنية المستقلة واستخراج جواز السفر وقيادة السيارة والسفر وحرية إتخاذ القرار في توقيع عقود العمل ومساواتها مع الرجل في الأجور والحقوق والواجبات في كل الوظائف والمهن وانتهاء بتمكينها من العمل القيادي داخل وخارج السعودية، عدا عن إصدار أدلة تنظم عملها في سوق العمل والقوانين التي تحميها في بيئة العمل.

المرأة بعد عقود من الأدلجة والتغيرات الاجتماعية والتشريعية لا يزال أمامها عوائق من نوع آخر، لعل أهمها القبول الاجتماعي الذي صرح به أحد المسؤولين في يوم من الأيام كعائق أمام تمكين المرأة وحرب لقمة العيش الذي تواجهه من لوبيات الأجانب التي تقتسم السوق وتسيطر عليه نظرا لانخفاض أجورهم، وهذه الأجور تناسب الكثير من السيدات المحتاجات للعمل لضمان دخل شهري ثابت أيا يكن يمكنها من دفع فواتير الكهرباء والماء والسكن، بدلا من تسولها تحت أشعة الشمس أو افتراشها زوايا الطرق السريعة لبيع المناديل أو انتظار مبلغ الضمان الاجتماعي، وهي حروب ليست سهلة فقد يباغتها أحدهم إما بطرد تعسفي من قبل المدير الأجنبي أو بث إشاعات تشوه سمعة مكان العمل من قبل بعض شاذي التفكير من أبناء مجتمعها وغيرها.

لكن العدو الأكبر للمرأة السعودية العاملة  هو الأجهزة الذكية وتطبيقاتها وكاميرات الجوالات، نعم هي العدو الأول لها الذي يستخدمه المغرضون ليعطلوا مسيرتها، هناك من استغل قلة خبرتها في مجال العمل المختلط من لوبيات الأجانب ليصورها وهي تتناول الطعام معه ومن ثم ينشر المقطع ليثبت للعالم أن المرأة السعودية سيئة السمعة منتقما ممن سوف يسترد مكانه منه قبل أن يغادر إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ، أما الآخر ممن يتناول القهوة هو وشلة الأنس في مقهى محترم يبدأ بالتقاط صورة فتاة بكامل حجابها وسترها وهي تسعى في لقمة عيشها لتقدم لوجهه السمج القهوة ليصورها ويقول كيف أن عمل المرأة ذل لها والمزعج استجابة الجهات المعنية التي لايوجد بينها تكامل لتقطع رزقهن، ألا تعلم يا هذا أنها عندما كانت تقدم لك القهوة كانت تفكر بكم الالتزامات التي يجب أن تدفعها أو تساعد أسرتها فيها، أتريدها أن تضع طاولة في الشارع لتلاحقها بكاميرتك وتقول تعالوا تصدقوا عليها واشتروا من عندها؟ ما الفرق؟ هل وقوفها في الشارع آمن لها من مقهى محترم ومنظم يبعدها عن مخاطر عدة؟ كيف لك أن تقطع رزقهن وتنام قرير العين!

إن بعض هؤلاء ممن يعانون من انفصام الشخصية واضطرابات قيمية لا يتوانون عن البحث في التطبيقات عن المتفسخات والمستعرضات بأجسادهن - تحت مسمى موديل أو ناشطة أو فاشينيستا - ليتابعوهن في السر و يتنقدونهن في العلن، والقادرين منهم هم من لا يتوانون عن تقديم الهدايا والهبات - تحت مسميات شتى - لمن جعلن بضاعتهن أجسادهن وما يملكن من تضاريس، ليجمعن ثروات هائلة من هدايا هؤلاء الغيورين والمحافظين !! قاطعي الأرزاق! أي تناقض وأي ضمير يعيشه هؤلاء ؟! لماذا يصرون على إبقاء المرأة معطلة ؟ ولماذا يصرون على إبقائها محتاجة لا تستطيع العيش دون أن تطلب منهم سواء بالتسول أو الاستعراض ؟!

عزيزتي المرأة أرجو ألا تتنازلي عن حقك في القصاص من كل من قطع رزقك واقتحم خصوصيتك ونكد عليك عيشك، فدولة القانون فوق الجميع، أما بعض الجهات المعنية فأرجو منها توحيد المعايير والتكامل بينها حتى لاتقع فريسة مقطع يجيبها ومقطع يوديها .

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه