2020-03-10 

أيوب النفط السعودي يبدأ معركة كسر عظم مع السوق... والصخري

سلطان السعد القحطاني

لأكثر من ثلاثين عاماً، ظل عبد العزيز بن سلمان، الوزير، الأمير، خبير النفط، وطالب الجامعة البترولية، في انتظار هذه اللحظة، التي قاده إليها طموحه المتوقد، وزيراً لأهم وزارة، وفي أهم بلد، في عالم النفط، ومشتقاته، ليتولى شؤون الملف الذي عرف عنه الكثير، الكثير، نظرياً، وعلمياً، وعملياً، خلال عقود من العمل مع أعتى الوزراء، وأعقدهم، وأذكاهم. 

 

ولقد رأى خلال تاريخه النظري، والعملي، أثناء هذه المسيرة الطويلة، زملاءه من كبار كبراء الوزارة، وهم يمرون بالعواصف، ويصمدون أمام بعضها أحياناً، وتقتلعهم أحياناً، وهم لا يعلمون. كم من وزير نفطي أقيل وهو لا يعلم، ولا أحد يعلم، أنه لم يكن يعلم. وكم من وزير أنهكته الاجتماعات المعقدة، والأسعار المحبطة، والنقاشات مع الحلفاء، قبل المنافسين. 

 

لقد رأى هذا كله، رأي العين. لقد رأى الوزير الحجازي، المجازي،  أحمد زكي يماني، والذي كان أميراً غير متوج، وأشهر سعودي في عالم النفط، وأسواقه الدولية، وهو يواجه العالم في أعقد اللحظات من تاريخ المملكة.  وشاهد الأنيق هشام ناظر، الذي قد يتنازل عن كل شيء إلا صبغ شاربيه، وتصفيف شعره بأناقة موضة الستينات، مثل رجال العصابـ... الأعمال الإيطاليين. وليس آخر المنظورين أمام الوزير الأمير، كان السيد علي النعيمي، الذي كان في داخله نمر شاب، متوثب، وأنت تراه يقود الشرارة الأولى في مواجهة حصة بلاده في السوق النفطية، ويصمد أمام ضغوط الإعلام، ويتجاهل الحملات السياسية التي تهدف إلى سعر غير عادل. 

 

ولا أظن أن الوزير الفالح كان بتلك المواهب النفطية، التي امتلكها سابقوه، السابقون، الأسبقون، لكنه كان من المدرسة ذاتها، وتلميذ النعيمي ، رغم فارق الخبرات، والظروف، والطرق. 

 

استلهم النعيمي معركته مع التكتيك الروسي المتقلب، والنفط الصخري الأمريكي، بزيادة الإنتاج، من ركضه للمسافات الطويلة، وصبر سنواته الثمانين، وجسده النحيل، على هذا الجهد الطويل. ولطالما كان يركض خلال اجتماعات أوبك، جوار تلك الحدائق النمساوية الغنّاء، في فيينا، حين كانت المايكروفونات، والكاميرات، تصطف كحرس رئاسي في انتظار كلماته، وتصريحاته، التي تصبغ شاشات أسعار النفط، بالألوان المنتظرة. 

 

كانت معركة خفض الأسعار مقابل الحصة السوقية قاعدة نعيمية، ومنطقية، رغم أنها تشابه تمرينا لمن يتحمل العض على أصابعه لأطول فترة ممكنة، ومن يتألم أولاً، يخسر بالطبع. ولم يتوقف هذا الأمر، سوى بوعد روسي، عقبه تعاون مؤقت، أعاد للبراميل أسعارها، المبتغاة للدولتين، الناهضتين. 

 

ويمكن للأمر ان يتكرر مرة أخرى، فالنظرة الغامضة، والابتسامة التي غابت عن وجه الامير، دمث الخلق، وعدم تبادل ابتسامات المجاملة مع الوزير الروسي، وتصريحه المتشائم، دليل على بداية معركة جديدة، وقد تعني فتح بوابة للصراع من جديد، مالم يستوعب الروس المعادلة النفطية السعودية. 

 

وتكتب "بلومبيرغ" عن أجواء الاجتماع الذي أغضب السعوديين: صورة لقاعة المؤتمرات بعد أن غادر المندوبون" ألمحت إلى قصة مختلفة تماما  حيث سقط العلم الروسي من مقعد نوفاك .. وترك الأمير عبد العزيز نظرائه بتحذير شديد: ثقوا بي  سيكون هذا يومًا مؤسفًا لنا جميعًا وفق ما نقله مندوب شارك في الاجتماع .... وبالنسبة لوزراء الطاقة في البلدين ، لم يكن هناك كيمياء شخصية بينهما حيث لم يتبادلا ولو إبتسامة واحدة".

 

الذين يعرفون الأمير عبد العزيز بن سلمان، يعرفون دماثته، وخلقه، وإنسانيته وولعه بالعمل، والقراءة، وعدم الانهزام أمام التفاصيل في الاتفاقيات، أو حتى النقاشات. 

 

ولعل صبره الأيوبي الطويل، وهو ينظر للمشهد النفطي حالياً،  يبعث برسالة لمن يهمه الأمر، بأنه يستطيع أن ينتظر طويلاً، لو لزم الأمر من أجل فرض حضور بلاده، وأثرها، في السوق، وتأثيرها في عالم النفط. 

 

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه