2015-10-10 

«مارس».. شهر الإسكان الحاسم

عبد الله بن ربيعان

«آخر الطب الكي» هذا ما توصلت إليه الحكومة السعودية بإعلانها فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن في المملكة، بعد أن تجاهل كبار ملاك الأراضي المحتكرين كل الرسائل السابقة التي وجهتها لهم الحكومة صراحة وضمناً. في السعودية، يمكنك تصور حدوث أزمة ومشكلات في أي قطاع أو سلعة إلا الأراضي السكنية، فالنسبة والتناسب بين المساحات المخصصة للسكن، وعدد السكان يقولان إن الأزمة يستحيل حدوثها نظرياً، ولكن واقع الأمر ليس كذلك، فالأراضي الجرداء البيضاء المحتكرة من أقلية رفعت أسعار متر الأرض السكنية، ولاسيما في المدن الكبيرة، إلى مستويات لم يعد للمواطن طاقة لبلوغها. والأغرب أن تجد أن ما يربو على 50 في المئة من المساحات داخل المدن الكبيرة أراضٍ بيضاء محتكرة لفئة لا تريد إعمارها ولا بيعها، ومن ثم لا يُستفاد منها، فيما أكثر من 60 في المئة من المواطنين لا يجدون سكناُ، وهو ما يتنافى مع أبسط أبجديات العقل والمنطق. اقتصادياً، سعت الحكومة إلى حل الأزمة من خلال إنشاء وزارة الإسكان قبل أربع سنوات، ودعمتها بمبلغ كبير وصل إلى 250 بليون ريال، كما دعمت صندوق الإقراض العقاري بمبالغ متتالية رفعت رأسماله من حوالى 78 بليون ريال قبل عشر سنوات إلى 185 بليون ريال في العام قبل الماضي (المدفوع 139 بليون ريال). إلا أن الأموال لم تحل الأزمة، ففي ظل ظاهرة احتكار الأراضي وعدم زيادة المعروض منها، فإن الأزمة استفحلت وتراكمت، وكانت السوق فعلياً ترتفع أكثر مع كل ضخ مالي جديد لقروض الصندوق، وهو ما جعل الآلاف من مستحقي القروض يعزفون عن تسلمها والاستفادة منها لعدم قدرتهم على تملك الأرض (60 في المئة لا يتسلمون قروضهم بحسب تصريح للمدير العام لصندوق التنمية العقاري). من هنا جاء تدخل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حاسماً وسريعاً كعادته، فالملك سلمان بدأ عهده ملكاً للبلاد في 23 كانون الثاني (يناير) 2015، وسرعان ما ذكر الإسكان وأزمته في أول خطاب له، ففي يوم الثلثاء 10 مارس، وخلال استقباله لأمراء المناطق والعلماء والوزراء وأعضاء مجلس الشورى في الديوان الملكي وجه خادم الحرمين الشريفين كلمة ضافية شملت كل مفاصل الاقتصاد، وبالنسبة إلى الإسكان، قال: "إننا عازمون -بحول الله وقوته- على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن"، وهذا هو الحديث الأول للملك عن الإسكان خلال أقل من 50 يوماً بعد تسلمه مقاليد الحكم في البلاد. وفي يوم الأربعاء التالي مباشرة أصدر أمره بإعفاء وزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي من منصبه وكلف الدكتور عصام بن سعيد؛ للقيام بعمل وزير الإسكان. وفي يوم الإثنين 23 مارس، وافق مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بفرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، وأوعز إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإعداد الآليات والترتيبات التنظيمية لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى مجلس الوزراء؛ تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشورى لاستكمال الإجراءات النظامية في هذا الشأن بشكل عاجل. والملاحظ أن الزمن بين حديث الملك عن الإسكان وتعيين وزير جديد له هو يوم واحد فقط، وما بين تعيين الوزير وقرار فرض الرسوم الذي ختم بالنص على تطبيقه "بشكل عاجل" 12 يوماً فقط، وهو ما يعني أن الملك يشعر بنفسه بما يعانيه مواطنيه، وتصدى شخصياً للتدخل لتيسير تملكهم لمساكنهم. ختاماً، أزمة السكن في السعودية تجذرت واستطالت وتضرر منها كل بيت، ولم تستطع الأموال المتراكمة حلها، فأزمتها ليست مادة ولا أموالاً، بل هي أزمة قرار وإدارة وحزم، ولاشك أن حديث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وقراراته المتعلقة بالسكن، والتي جاءت قبل إتمامه شهرين في الحكم تؤكد أن خادم الحرمين قرر أن يضع حداً لهذه الأزمة، وأن يتدخل بنفسه لحلها جذرياً. وبالتأكيد فإن تدخل الملك سلمان بما عرف به من حزم وعزم يعني أن الموضوع شبه منتهٍ، وأن حل أزمة السكن التي يعانيها المواطن مجرد وقت قصير لا أكثر. * نقلا عن "الحياة"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه