2015-10-10 

عرب الـ 48 حجزوا مكاناً في دولة «لا تتسع لهم»

حازم الامين

خسر عرب الـ48 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي بسبب رفضهم اقتسام فارق أصوات مع حركة «ميريتس» اليسارية الإسرائيلية، فانخفض عدد مقاعد القائمة المشتركة في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة من 14 مقعداً إلى 13. وسبب رفض اقتسام الأصوات مع «ميريتس» عدم رغبة أطراف في القائمة مد جسور انتخابية مع حزب يمت بصلة وإن ضعيفة لليسار الصهيوني. لكن، لا بأس فالعرب في هذه الانتخابات حققوا إنجازاً تاريخياً. التقوا في قائمة واحدة، يساراً وإسلاميين وعلمانيين ليبراليين، وحجزوا الموقع الثالث في ترتيب الكتل النيابية في الكنيست. لكن، على الضفة الأخرى من المشهد الانتخابي ثمة أيضاً تحول هائل، وعرب الـ48 ليسوا خارجه. إسرائيل أنجزت انعطافتها نحو الدولة اليهودية، وما نتائج الانتخابات الأخيرة سوى تعبير طفيف عن هذا التحول. هُزم اليسار العلماني مرة أخرى، وانكفأ التمثيل العلماني لليمين الصهيوني مفسحاً في المجال للحريديم وللقوى الدينية على ضفاف ليكود. وجوهر الخطاب الانتخابي لليمين الديني المنتصر تمثل في مسألتين: الأولى منع قيام دولة فلسطينية، والثانية السعي لمحاصرة عرب الداخل ودفعهم إلى هامش الدولة تمهيداً لتكريس حقيقة يهوديتها. والحال أن عرب الـ48 الذين يفوق عددهم المليون ونصف المليون مواطن هم اليوم محاصرون من طرفي معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي. من جهة، إسرائيل الجديدة لا تريدهم، وهذا صار جزءاً من الخطاب الرسمي لدولة اليمين وللأحزاب الدينية، ومن جهة أخرى، لا مكان لهم في الخطاب العربي على مختلف مستوياته الممانعاتية والواقعية. إنهم الجماعة التي يضرب حولها الخطاب العربي صمتاً رهيباً، وهم من أخرجتهم «القضية» من وجدانها. مليون ونصف المليون من المواطنين الأيتام. وما يُخفف من وطأة اليتم، وإن ضاعف من تداعياته، يُتم موازٍ تسبب به التحول الكبير الذي أصاب إسرائيل، وهو يُتم النخب اليسارية الأشكنازية التي، وإن كانت لا تشعر بخطر وجودي، إنما تشعر بما هو أفدح: فـ «هذه ليست إسرائيلنا» التي قالها يوماً إبراهام بورغ، لم تعد فكرة، إنما صارت واقعاً طارداً لأي إسرائيلي غير متدين. ومن يقرأ افتتاحية «هآرتس» صباح فوز نتانياهو يُدرك ما يشعر به هؤلاء. اليوم يُشكل فلسطينيو الـ48 استحقاقاً عربياً داهماً. إسرائيل الآباء المؤسسين كانت أزاحت عن العرب عبء التفكير بهم عبر سعيها لضمهم إلى مشروعها، وإن كمواطنين من الدرجة الثانية. لكن إسرائيل التي انعطفت نحو دولة يهودية، على ما كشفت آخر ثلاث دورات انتخابية، لا تريدهم، وهي في أحسن الأحوال تطمح إلى مبادلتهم بمستوطنين في الضفة الغربية. وفي هذه اللحظة يبدو الخطاب العربي في لحظة انعدام توازن غير مسبوقة. فهو لم يهيئ نفسه لخوض معركة لتثبيت مواطنية إسرائيليين، وفي الوقت نفسه سيُمثل دفع تل أبيب لعرب الـ48 إلى خارج إسرائيل كارثة للقضية الفلسطينية أولاً ومأساة إنسانية ضحيتها مليون ونصف المليون شخص. إنها نكبة أخرى، وعملية ترانسفير ثانية لا تقل فداحة عن الترانسفير الأول، وثمة مؤشرات جدية إلى أن إسرائيل باشرت هذه المهمة. يشعر عرب الـ48 بأن وجودهم صار مطروحاً في دوائر التفكير الإسرائيلي الجديد، وما مسارعتهم للائتلاف في قائمة واحدة سوى مظهر من مظاهر إحساسهم بأن ثمة خطراً جدياً هذه المرة. وأن يتمكن بنيامين نتانياهو من أن يستنهض همم إسرائيليين في الساعات الأخيرة قبل إقفال صناديق الاقتراع ودفعهم إلى أن يقترعوا له عبر الإشارة بإصبعه إلى «خطر القائمة العربية الواحدة»، فهذا درس لم يسبق أن لقنه الإسرائيليون لعربـ «هم». لا شك في أن ترتيب القائمة العربية ككتلة ثالثة في الكنيست سيصعّب على الإسرائيليين مهمتهم، ذاك أننا نتحدث اليوم عن أقلية كبرى ممثلة في أعلى هيئة سياسية في الدولة. لكن، في مقابل هذه الحقيقة ثمة انكفاءة قد لا تخدم هذه المهمة. فرفض القائمة العربية التعاون مع «ميريتس»، والذي أفضى إلى خسارتها مقعداً مهماً في الكنيست، يعني أن جزءاً من عرب إسرائيل قد مستهم عروبة أشقائهم خارج إسرائيل، المستنكفين عن السياسة بصفتها تصريفاً لمصالح المواطنين والمجتمعات، والإقبال على السياسة بصفتها قناعات ثابتة لا تقبل الحركة والمرونة. فإذا كانت المهمة مقاومة الرغبة الإسرائيلية في إخراج العرب من مناطقهم ودفعهم إلى هامش الدولة تمهيداً لمبادلتهم، فإن الاستعانة بقوى إسرائيلية من خارج هذا المشروع سيخدم من دون شك هذه المهمة، لا سيما أننا نتحدث عن قوى عربية قبلت بأن يكون الكنيست الإسرائيلي مسرحاً لهذه المواجهة. ومن يُراقب الخطاب العربي في إسرئيل يشعر فعلاً بأن في داخله وعلى ضفافه استجابات واضحة وإن طفيفة للغو ممانعاتي. ولعل رفض التعاون مع «ميريتس» آخر مظاهره. والحال أنه من الصعب على يتيم باحث عن أب أن ينجو من هذه الاستجابات، فعرب الـ48 تعرضوا منا، نحن عرب ما بعد الـ48، إلى ما لا يقل عما تعرضوا له من تل أبيب. في إسرائيل كانوا عرباً وفي دولنا ومجتمعاتنا كانوا إسرائيليين. وإذ تسعى إسرائيل لدفعهم نهائياً خارجها، تسعى بعض نخبهم إلى ملاقاة أشقائها في القومية والدين بحثاً عن ملاذ. ومثلما أشعرتهم إسرائيل بأنها ليست ملاذهم، فإن العرب بمختلف أطيافهم ليسوا في وارد ضمهم إلى مشاريعهم الضيقة. وقصة عرب الـ48 مع العالم العربي مأساة لم ترو بعد. فقد طُلب منهم البقاء في إسرائيل كغير إسرائيليين، وشمل مطلب رفض الاندماج رفض القليل مما قدمته الدولة إليهم، وذلك منعاً لتصدع الهوية القومية. من تعلم منهم، أُدين بعلمه، ومن رفض الاندماج لم يجد من يستقبله، إلا إذا كان نجماً. المنطقة كلها في مرحلة مساومات كبرى على أكثرياتها وأقلياتها، ولكل جماعة أب يقف خلفها. عرب الـ48 بلا أب منذ وُلدوا. إنهم أحفاد الـ160 ألف فلسطيني الذين قرروا البقاء في قراهم ومدنهم عندما باشرت إسرائيل الترانسفير الأول. نعم، «أحفاد الـ160 ألف فلسطيني»، هكذا تسميهم الكتب والمؤلفات والأبحاث، وهم بالتالي ليسوا أحفاد الخليفة ولا أحفاد زينب، وهم طبعاً ليسوا أحفاد داود. وهذه الحقيقة كانت ستخدمهم لولا أننا في غير مرحلة المساومات الكبرى على الجماعات في الشرق كله. *نقلا عن "الحياة"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه