2017-12-25 

حديث مع الشيخ الذي لابد من الحديث معه

سلطان السعد القحطاني

بالنسبة لي لا تكتمل زيارة الكويت دون زيارة قصر "الشويخ" حيث دار الشيخ ناصر المحمد ودارته، ومكتبه ومكتبته، ومقر تواصله، واتصاله بالعالم الحديث. هناك في ذلك القصر الأنيق، الذي لم يتخلص من ذاكرة معمار كلاسيكية لم تنسها الحداثة.


 
هنا يستقبل الشيخ زواره، وزوار ذكرى أبيه. لا يمكن أن تزوره دون أن تراه مشغولاً في لقاءات ضيوفه من كافة الطبقات من الشعب الكويتي. ديوانية اجتماعية ثابتة لم يتغير توقيتها الصباحي منذ عقود.
 


في قاعة الاستقبال الرئيسية أجلس مع الشيخ الذي خدم بلاده لأكثر من نصف قرن نتحدث عن القضايا العامة التي تمر بها المنطقة، ولا حدود ولا ضفاف لحوار مع الشخصية التي يتطلع لحديثها كثيرون، والأسئلة كثيرة.
 

 

عمل الشيخ المحمد في الحقل العام منذ أن كان في الثلاثينيات من العمر، وهو الآن يتأهب للسبعين بذاكرة حديدية وحيوية لافتة.


تولى الشيخ المولود في 22 ديسمبر 1940 رئاسة مجلس الوزراء الكويتي بالفترة من 7 فبراير 2006 إلى 30 نوفمبر 2011. وهو الابن الثاني لأول وزير دفاع في الكويت الشيخ محمد الأحمد الجابر الصباح. وقد تلقى تعليمه بالمرحلة الابتدائية، والمرحلة المتوسطة في مدارس الكويت، بينما أكمل دراسته بعد ذلك خارج الكويت.
 

 

وتلقى الشيخ، الذي يوصف بأنه الرجل رقم ثلاثة في البلاد، تعليمه في المملكة المتحدة، ثم سويسرا التي حصل على شهادة البكالوريوس منها، وتحديدا من جامعة جنيف، قسم العلوم السياسية والاقتصاد. وبدأ حياته العملية في عام 1964 عندما عين سكرتير ثالث في وزارة الخارجية الكويتية، التي كانت المحطة الأولى قبل أن يتنقل في عدة مناصب مهمة.

 

 

كنا على بعد ساعات من انعقاد أعمال القمة الخليجية التي تحتضنها الكويت، وكانت خير مدخل لبدء حوار عن السياسة والتاريخ.
 

 

يقول لي بصوته الهادئ: "لدى قيادات الخليج حكمة كبيرة مكنت بلداننا من تجاوز أكبر الأزمات. إننا في منطقة مليئة بالثروات ومغرية للطامعين لكن حنكة القيادات الخليجية مكنت دولنا من البقاء والاستقرار والازدهار، وحققت مستويات تنمية لافتة رغم الظروف الصعبة".
 


ويضيف برحلة سريعة عبر التاريخ الذي يحبه، ويقرأ فيه كثيرا، حتى عبر الجهاز اللوحي الآيباد: " لقد قدم قادتنا لمنطقتنا الكثير رغم أننا مررنا بحقب فقر وقلة موارد كبيرة طوال تاريخنا، فلقد كانت هذه الصحراء غير قابلة للبقاء والحياة، ولم يكن هنالك رغبة كبيرة فيها، أو بناءها. لكن كان هنالك قادة استثنائيون عزموا على مواجهة صعوبات الجغرافيا وتمكنوا من البقاء وبنوا بلدانا قوية، حتى جاء النفط، وأصبحت بلداننا مكانا يبحث عنه الجميع".
 


وبالحديث عن السعودية، التي تربطه معها علاقة متميزة وذكريات كثيرة، يشيد الشيخ ناصر المحمد بالتغيير الكبير في المملكة الذي يقوده العاهل السعودي وولي العهد: "تشهد السعودية نهضة كبيرة بفضل قيادة واعية حريصة على بناء البلاد وربطها بالحداثة والتطور. لخادم الحرمين وولي العهد رغبة حقيقية في البناء وتعزيز الاستقرار في المنطقة".
 


يطول الحديث، ويطوف، حول سياسيين كبار في المنطقة. أسمع أسماء: الملك فهد، سعود الفيصل، بندر بن سلطان، وغازي القصيبي. لديه قصص مع الجميع، ولعلها ستكون خير محصلة لو كان يرغب في كتابة مذكراته، فقد عاصر أحداث الكويت التاريخية، وخصوصا حقبة الغزو والتحرير، التي لا تنسى.
 
يقول الشيخ المحمد بعاطفة ممزوجة بالذاكرة: " كان الملك فهد شخصية عظيمة. شخصية سياسية كبيرة بحق، ولن ننساه، ولن تنساه الكويت. كان دوره المحوري مؤثراً في مواجهة الغزو. لم يتنازل أو يتردد في دعم الكويت أثناء الغزو وسنظل نتذكره دائماً".
 
أثناء الغزو كان الشيخ ضمن المسؤولين الكويتيين الذين كونوا في الطائف حكومة المنفى.

 

يقول الشيخ إنه يعرف المدينة كاملة، كما يعرف ظاهر كفه، نتيجة البقاء هناك، وتولي الاستقبالات الرسمية التي كان يجريها أمير الكويت الراحل الشيخ جابر، مع ضيوفه من السياسيين.
 


الحديث مع المحمد لا ينتهي بنهاية الحديث معه، بل تستمر الأفكار تدور وتتطور. آخر ما كتبته في دفتر ملاحظاتي عن المقابلة كان التالي: " لا يمكننا أن نلغي أحدا من هذا العالم، بل علينا التعايش المشترك، لأنه الدواء لكل الأمراض التي يعاني منها العالم".
 
 
نعم التعايش التعايش التعايش، هذه كلمة السر لدول أقوى، ومجتمعات أكثر تحضراً، فلا أحد يملك هذا العالم... وحده.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه