2015-10-10 

ماريا معلوف: تهديدات دول وأحزاب تلاحقني

من بيروت، غنوة سلامة

قادت مركب الريادة في عالم الاعلام مبعدة كل منافس. فكان لها طعمها ولونها الفريدان اللذان تألقت بهما، فحصدت لها مكانة غير مسبوقة على شاشات التلفزة وفي قلوب المشاهدين. شهرتها لم تكن محلية بل غزت العالم العربي مستقطبة اعداد متزايدة من الجماهير، اسرها وجهها الجذاب وطريقة إلقائها الفريدة وحرفيتها العالية. فشكلت قوة جذب خارقة ندرت في عالم الاعلام. وقد دأبت على النضال من اجل تقديم الحقيقة المجرّدة، قبل ان يسبقها اليها احد، الى هذه الجماهير التي كانت تنتظرها لتلقف هذه الحقائق ومعرفة كل ما يجري حولها في عالمها الصغير والكبير، معوّلة على عامل الاثارة الذي كانت تفاجئهم وتمتعهم به. كيف تعرفين نفسك امام الجمهورين اللبناني والعربي؟ انا امرأة مناضلة ومكافحة في مجالات الدنيا كافة. ماذا قدمت لوطنك لبنان بعد مسيرة مهنية ليست بقصيرة؟ وما هي الرسالة التي توصلت الى تحويلها الى حقيقة؟ قدمت اقصى ما أقدر بامكانات ومبادرات فردية لانني انتمي الى وطن يجب ان يعيش فيه الانسان بكرامة وحرية. اما الرسالة التي اوصلتها الى الناس فهي الحقيقة وهي ليست بمنال صعب. فالانسان يجب ان يبذل جهده ساعياً وراء الحقيقة، وكما نقول وراء كل حق مطالب نقول كل حقيقة وراءها ساعٍ. فهناك كثر ضحوا بحياتهم فاصبحوا شهداء من اجل الوصول الى الحقيقة. وانا انتمي الى مدرسة طلب الحقيقة حتى الشهادة. "بلا رقيب " برنامج اشتهرت به على محطة الجديد الموالية لفريق الثامن من آذار، بل كنت من الصقور الشرسة المدافعة عن هذا الفريق، فكيف انتقلت بين ليلة وضحاها الى معسكر 14 آذار؟ هل كانت الاسباب مادية بحتة ام كان تغييراً في قناعاتك؟ انتقلت من معاناة السنين، من واقع عشته مع فريق سياسي يقول ولا يفعل، خارجه غير باطنه، والذي يتمناه غير الذي يضمره في الداخل. انا لم اغير قناعاتي التي حملتها بل هم الذين بدّلوا قناعاتهم. ثم اين المصلحة المادية لدي في هذا الانتقال والمعروف عني ولدى الاطراف السياسية جميعها بانني اجاهر برأيي مهما كان، فأنا لا ارضخ الى اية اغرءات مادية او غير مادية. وانا اؤمن تماماً بان الاعلام هو رسالة وليس تجارة والآراء لا تباع ولا تشترى. ماهي الاثمان التي دفعتها للوصول الى ما وصلت اليه؟ لقد دفعنا كثيراً، والغالي والنفيس يرخص امام تضحيات جسيمة لاناس يعتبرون قدوة لغيرهم امثال الشهيد رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز. من هو صاحب الفضل الاول عليك؟ اصحاب الفضل هم اهلي، وصاحب الفضل الاكبر هو العم نصري معلوف. ونسميه بالعم لانه الاكبر سناً في العائلة. فقد هذبني سياسياً وعلمّني كيفية التفكير حيث اورثني فكراً سليماً وطريقة صحيحة لقراءة الامور واخذ المواقف التي تملؤها الشهامة. كما انه علمني امراً مهماً جداً وهو الوفاء. توقفت جريدة الرواد التي تصدرينها اثر اغتيال احد ابرز القادة الامنيين في البلد. فهل الامران مترابطان خاصة ان هناك شائعات كثيرة حامت حول هذا الموضوع؟ توقفت جريدة الرواد بعد سنة من اغتيال اللواء وسام الحسن الذي له الفضل الاكبر عليها. بدأنا في العام 2007 كوسيلة مطبوعة. وفي العام 2010 تم لقاء مع اللواء حسن الذي شعر بانني انسانة استحق المساعدة والتشجيع الحقيقي والدعم المعنوي. وبقينا نكافح ونكمل رسالته في مقارعة الفساد والخطأ ومحاسبة المجرمين. كافحنا لمدة سنة ثم اقفلنا. الجميع كان يقول عن اللواء وسام الحسن بانه رجل استثنائي في هذا الوطن، وحتى الاولاد الصغار كانوا يصفون اللواء الحسن بأنه " بيكمش الحرامية". نعم جريدة الرواد كانت بتصرف شعبة المعلومات وولاؤنا كان للواء حسن، وعلاقتنا معه كانت علاقة احترام بلا حدود. وبالنسبة للشائعات التي تحدثت عن علاقة بيني وبين اللواء حسن فأقول بان هناك ظلماً للمرأة في ميدان الاعلام. فلو كان مارسيل غانم هو الذي كان يدعمه اللواء وسام الحسن هل كانت تناقلته الناس بالاقاويل؟ وهل لانني امرأة يجب ان ارشق بالحجارة من قبل النفوس الدنيئة؟ ما هي الضغوطات التي رزحت تحت نيرها ومازلت منذ بداياتك المهنية حتى الآن؟ منذ ان باشرت العمل الاعلامي اي في برنامج بلا رقيب في الجديد بدأت الصعوبات والتهديدات، واستمرت حتى يومنا هذا حيث تاتيني التهديدات والشتائم عبر الواتس اب. وانا اعتبر بان الذي يعمل بهذا المستوى المهني العالي الذي اعمل به لا بد ان يتحمل المخاطر خاصة، وان هذه التهديدات قد وردت من قبل سياسيين واحزاب ودول وقادة امنيين ومتنفذين. كما ان دعاوٍ قضائية قد رفعت ضدي. درست في كلية العلوم الاجتماعية، فلماذا اخترت الاعلام مهنة لك؟ ومن دفعك الى ذلك لان وراء كل اعلامية ناجحة احد ما؟ لقد كنت ناجحة في مجال العلوم وكنت ارغب في دراسة الطب، لان الطبيب برأيي هو انسان ناجح ومتميز ويحب الناس ويحب ان يخدمهم. وبما انني انتمي الى بيئة محافظة فلم يسمح لي اهلي ان اغادر زحلة لدراسة الطب. لذلك فقد توجهت الى علم الاجتماع السياسي وحصلت على دراسات عليا فيه، فهو الاقرب الى شخصيتي. ودخولي الى عالم الاعلام كان صدفة بحتة. فقد كنت ملحقة اعلامية لاحد السياسيين وكنت مديرة لحملته الانتخابية. ومن خلال جولاتي في المناطق والاستماع الى مطالب الناس بدأت بكتابة المقالات في مجلة الحسناء من دون اجر طبعاً وفي المجالات كافة محققة بذلك شيئاً احبه فعلاً. ثم نصحني نصري المعلوف بجمع مقالاتي في كتاب، فوافقت واصدرت كتاباً بعنوان:" امرأة تبحث عن وطن". وبالطبع اردت طباعة هذا الكتاب فكان ذلك في مطبعة تحسين خياط، الذي اعجب بجمالي وقال لي باننا سنطلق محطة تلفزيونية. فلماذا لا تعملين معنا؟ وكان ان قدمت برنامج بلا رقيب ثم انتقلت الى اذاعة الاخبار وتتلمذت على يد الاستاذعمر الزين. فاحب الناس قوة شخصيتي وطريقة القائي ولغتي العربية السليمة. ونلت الشهرة بالرغم من انني لا اضمر لها حباً. فصحيح ان القلم هو شاهد على العصر لكن التلفزيون هو الاكثر انتشاراً لانه يدخل كل بيت. هل ثمن النجاح باهظ، وهل استطعت مجاراته؟ لو خيّرتني بين اعادة تاريخي وعدمه، لقلت لك نعم اعيد الخيار نفسه. لان الله اختار لي هذا الطريق وانا اعتبر نفسي مسيّرة هنا اي في امتهاني الاعلام. وفي الحقيقة يجب ان لا ننظر الى الثمن بل يجب ان نشعر بانه مصدر قوة لنمنح ونحقق وننجز اكثر فاكثر ونكتسب دفعاً اكبر الى الامام. - هل نجحت في كسر حائط الظلم الذي يحتجر المرأة العربية، وماهي الحقوق التي استطعت ان توصليها الى المرأة العربية على ارض الواقع ام انت مناصرة لحقوق المرأة فقط في المنتديات والمؤتمرات؟ ليس الآن وليس بعد مئة سنة تستطيع المرأة ان تكسر حاجز الظلم لان هناك تطبيقاً سيئاً للدين في هذا المجال. وانا آسفة جداً لتجربة تونس، التي كانت فيها المرأة متقدمة وتشكل نصف المجتمع وتعمل في قطاعات المجتمع كلها بل ان الرجل كان متأخراً عنها. ولكن للأسف بعد الثورة تراجعت المرأة خطوات بعيدة جداً الى الوراء. اما عن التجربة اللبنانية، فاقول بان هناك حقوقاً معطاة للمرأة في السياسة ولكنها لا تبذل الجهد الكافي لنيلها. وللاسف هناك بعض النساء اللواتي يستخّفن بالمرأة حيث يتم استخدامها كأداة ووسيلة فقط وليس كعنصر فاعل في المجتمع. والجدير بالذكر بانني قد شاركت في فيلم Beytrot وهو يتضمن مقارنة بين المرأة في اميركا والمرأة العربية التي تعنّف. وكنت ضيفة شرف في الفيلم حيث لعبت دور المرأة المعنفّة التي تلجأ للاعلام الذي ينجح في ايقاف زوجها المنحرف والمدعوم من قبل ميليشيات. وبعد الفيلم كان العمل في لبنان على قانون يعاقب الرجل الذي يعنّف المرأة. - انت آخر اعلامية تلتقي الرئيس ياسر عرفات قبل وفاته، فكيف تصفين لحظات لقائه بك وهل كان يشعر بان هناك مؤامرة تحاك ضده؟ وماذا استطعت ان تستطلعي من معلومات منه وعنه تذاع لاول مرة؟ اردت مقابلة " ابو عمار" بعد لقائي احد الرؤساء. وعرفات هو عميد الرؤساء العرب، وهو قائد ثورة وصاحب شخصية مرعبة ومخيفة. وقد جرت محاولات حثيثة لكي يوافق على مقابلتي ووافق اخيراً. وطلب مني عرفات ارسال اسئلتي اليه فبعثت اليه بسبعين سؤالاً. وقبل الحلقة بعشر دقائق قيل لي بأنه يحق لي بثمانية اسئلة فقط. وقد تحسس ابو عمار من اللقاء لانه ما من اعلامي تجرّأ قول ما قلته انا وهو "انك ذكرت في احدى المرات ان طريق القدس يمر عبر جونية. والبعض يقول بانه تم تنصيبك قائداً للثورة الفلسطينية لان لديك تجربة في الحكم". كما قلت له يا ابو عمار انت حكمت بيروت. فانسحب من الحلقة التي كانت فوق خطوط الجرأة العادية. وبذلك كنت اول اعلامية تتوجه له بهذا الشكل وقد تلقيت ردة فعله ببرودة اعصاب. اما بالنسبة لاغتياله فقد قابلت طبيبه الاردني الذي كان يشك بانه قتل بالسم ثم التقيت ببسام ابو شريف الذي وجدت الجواب عنده قبل محطة الجزيرة، واعلنت الحقائق التي توصل اليها وهوبان سماً قد دسّ له في الطعام. - اجرت جريدة الرواد التي تصدرينها مقابلة ولاول مرة مع حبيب الشرتوني الذي اغتال الرئيس بشير الجميل، الا تعتبرين هذا تستراً على مجرم يجب ان يساق الى العدالة؟ هناك مجرمون خارج السجن. وموضوع الشرتوني يخضع لاشكال وطني. فالبعض يقول بأنه بطل والبعض الآخر يصفه بالمجرم. اذن هناك انقسام حول ماهيته. ولا شك انه خارج عن العدالة ومحكوم. ولكن لم يكن لاية صحافية ان ترفض مقابلته خاصة وانني حققت سبقاً صحافياً بلقائه. - انتخبت اجرأ اعلامية لثلاثة اعوام على التوالي، هل هذه الجرأة موهبة يخلقها الله مع الانسان ام انك ورثتها من عائلتك التي ادت ادواراً في الحياة الفكرية والادبية في لبنان والوطن العربي؟ كان تحدياً كبيراً ان اكون على مستوى هذه العائلة. وطبعاً هناك امور تأتي بالوراثة ولكن لا ننسى التربية والعلم والثقة بالنفس والتحدي. - حصولك على دار الخليج للطباعة والنشر والتي تصدر عنها مجلة مرآة الخليج ومجلة بنكو وجريدة الرواد وحيازتك على اوسمة وجائزات عربية وعالمية. هل هذه النجاحات كلها اصابتك بالغرور والتعالي ام زادتك ثقة بنفسك؟ تضاعف التحدي اكثر فاكثر وتضاعف التعب. وهذه مسؤولية كبيرة بالنسبة لامرأة يتوجب ان تحافظ عليها وتستمر بها. - هناك فترة زمنية لمع فيها نجم الاعلامية ماريا معلوف تلاه زمن خفت فيه هذا النجم، فهل تحاول ماريا معلوف استعادة لمعان هذا النجم بكل قواها الآن؟ لقد اضطررت الى السفر خارج لبنان للابتعاد عن التيار السياسي الذي تحدثنا عنه خلال اللقاء. فكنت احتاج الى مرحلة انتقالية لتتقبلني الناس. فعملت في الخارج وتزوجت وانجبت. وعندما عدت الى لبنان عاد نجمي. وتناولت قضايا لبنانية تتضمن مواقف يجب ان يتحدث الناس عنها. واول خطوة كانت مع قناة المتوسط وعرض بمليون دولار، فاصبحت من الاعلاميات الاكبر اجراً. اضافة الى ان العالم العربي كله يتتبعني فلم تعد شهرتي محلية بل عربية. هل عشق الاعلام يفوق كل عشق لدى ماريا معلوف؟ عشق ناصر ابني يفوق كل شيء. ناصر الذي دخل عالم السياسة باكراً ويستمع الى الآراء السياسية كافة، فبات رجلاً في عمر الخامسة ونصف. وعشقي للاعلام دخل الى العائلة كلها. والاعلام والسياسة اصبحا يلازمان دمي. حتى ان اهلي واخوتي واصدقائي من خارج لبنان باتوا يخافون علي من هذا العشق. - لماذا لجأت ماريا معلوف الى العمل في محطات تلفزيونية عربية مغمورة نوعاً ما بعدما كانت نجمة لامعة على شاشات معروفة؟ زواجي وانجابي اديا الى غيابي عن الاعلام. وفي العام 2010 توجهت الى العمل في جريدة الرواد لانني اريد ان اتفرغ لتربية ابني ناصر، فأنا لا احبذ ان تنشئه الخادمة، ولانني ارغب في ان امنحه كل ما يحتاجه من عاطفة وحنان. هل يتفوق سحر الامومة لدى ماريا معلوف على تألقها الاعلامي، فتفضل الامومة عن المهنة؟ اختار الامومة والمهنة معاً. لانني بعد ان ثبت اقدامي في عالم الاعلام، اصبح لي الحق في ان احيا كاسرة. فالمشهورون الذين مضوا قضوا جميعهم من جراء الادمان او الوحدة اوالحرمان من الحياة العائلية. هل سيرث ابنك ناصر موهبة الاعلام المتأصلة فيك قلباً وجسداً؟ ناصر ورث حب السياسة مني. ولكنني لست مع ان يعمل في مجال الاعلام بل افضل ان يحيى في اميركا ويدخل عالم الاعمال.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه