2015-10-10 

الشرخ العراقى

عمرو الشبكي

حققت القوات العراقية تقدما ملحوظا ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فى مناطق صلاح الدين والأنبار وتكريت دون أن تصل إلى مرحلة الحسم بهزيمة كاملة للتنظيم الإرهابى، ويبدو أن أمامها بعض الوقت لحسم المعركة العسكرية، وكثيرا من الوقت (والمخاطر) لبسط سلطة الدولة على كامل ترابها الوطنى. والمؤكد أن ما جرى فى العراق عقب اجتياح تنظيم داعش لثلاث محافظات عراقية، ذات غالبية سنية، هو نتاج كارثة كبرى تمثلت فى إسقاط نظام صدام حسين بفعل احتلال أجنبى وليس ثورة داخلية، رغم حدوث انتفاضات كثيرة قمعها بقسوة نظام صدام، وأن هذا الغزو الأمريكى ارتكب جريمة كبرى حين قضى على الدولة العراقية وفكك مؤسساتها، وفى القلب منها الجيش العراقى. والحقيقة أن سيطرة داعش على بعض المناطق العراقية جاءت عقب بناء دولة جديدة رخوة اعتمدت المحاصصة الطائفية كعنوان لها، فحلت الميليشيات الطائفية مكان أجهزة الأمن، ومارست وزارة الداخلية جرائم طائفية بحق السنة لا تختلف كثيرا عن جرائم تنظيم القاعدة وداعش بحق الشيعة. وتحول الجيش الوطنى العراقى إلى جيش وصفه كثير من السنة ومعارضى رئيس الوزراء العراقى السابق المالكى بأنه جيش طائفى يستهدف أهل السنة، بعد أن أصر على أن يحكم من منظور طائفى واستعلائى على مدار 8 سنوات. وبالفعل تقدمت داعش وسيطرت على ثلث العراق فى عز هيمنة هذا النظام الطائفى على مفاصل الدولة العراقية خاصة عقب رفض رئيس الوزراء الأسبق أى حلول سياسية مع سنّة العراق واستخدم القوة المفرطة فى مواجهه «انتفاضة الأنبار السلمية»، واستباحت ميليشياته الرمادى والفلوجة، والنتيجة أن من نجا قال: «ألف داعشى ولا مالكى» فانحازوا إلى التنظيم وأعطوه ولو جزئيا بيئة حاضنة. وتغيرت الأمور بعد ذلك وتمت الإطاحة بنورى المالكى عبر ضغوط خارجية وآليات ديمقراطية داخلية، وجاء رئيس الوزراء العراقى الجديد، حيدر العبادى، الذى بدا أكثر انفتاحاً من سابقه وأعاد تأهيل الجيش وقوات الأمن وقدم خطابا تطمينيا فى الداخل والخارج، وسمح للقوات العراقية- المدعومة من الحشد الشعبى (ميليشيات شيعية عتادها فى بعض جوانبها أكبر من الجيش العراقى) وعناصر من ميليشيات إيرانية، بالإضافة إلى بعض مقاتلى العشائر السنية- بالتقدم وتحقيق انتصارات عسكرية على الأرض ضد تنظيم الدولة الإسلامية. والصادم أن بعض هذه القوات ارتكب جرائم بحق المواطنين السنة، فحرقت قريتين وهدمت العديد من المنازل، واعتبر البعض أن هذه الحرب ليست هى حرب تحرير العراق من تنظيم إرهابى، إنما هى حرب تصفية الحسابات الطائفية وكسر للسنة وعقابهم. والحقيقة أن الشرخ العراقى معرض للتعمق إذا فشلت الحكومة الجديدة (الواعدة) فى تحويل هذه الحرب التى يخوضها الجيش العراقى ضد داعش إلى حرب سياسية وعسكرية ضد الإرهاب، تتعامل أولا مع أسبابه، وتفكك البيئة السنية التى احتضنته (لا أن تعاقبها بشكل جماعى) بسبب السياسات الطائفية للحكومة السابقة، واعتبار هذه الحرب هى فقط ضد جماعة متطرفة وإرهابية وليست ضد طائفة. فهل سيندمل الشرخ العراقى أم يتعمق؟ هذا ما ستجيب عنه الحكومة العراقية فى الأيام القليلة القادمة، لأنها فى النهاية لن تصنع نصرا عسكريا قبل أن تحقق توافقا سياسيا ومجتمعيا، وهذا ما نتمناه لشعب عظيم ضحى كثيرا مثل الشعب العراقى. *نقلا عن "المصري اليوم"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه