العرب - في الوقت الذي فتح فيه الغرب يديه لأبرز أعمدة "محور الشر" الذي تمددت فيه طائفيته البغيضة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والصومال، ولم تسلم دول الخليج العربية من تدخلاته، تأتي مناورة "رعد الشمال"، حيث تنتمي الدول المشاركة فيها إلى “التحالف الإسلامي ضد الإرهاب” الذي أعلنته السعودية سابقا ويهدف إلى محاربة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبه وتسميته. ولا شك أن إحدى أذرعه المتوقعة هي تكوين جيش موحد من المعارضة السورية بهدف طرد الميليشيات الإيرانية وداعش وإزاحة بشار، وسيكون هذا الجيش الموحد تحت مظلة التحالف العسكري الإسلامي الذي سيعيد التوازن المفقود في الشرق الأوسط منذ التسعينات، والذي يشارك حاليا في هذه المناورات.
تأتي هذه المناورات بعد إعلان السعودية إرسال طائرات حربية إلى قاعدة إنجرليك التركية لاستهداف تنظيم “داعش”، والاستعداد للمشاركة بقوات برية للغرض نفسه. وتنطلق هذه المناورات الكبرى بمشاركة 350 ألف جندي وتعتبر إعدادا مبكرا لحرب ما، ومحاكاة لعمليات برية من نوع ما. مناورة “رعد الشمال” المنفذة على الأرض السعودية بمشاركة نحو عشرين دولة هي الأكبر في تاريخ الشرق الأوسط. وتأتي هذه المناورة بعد ارتفاع حدة التوتر نتيجة للتدخل الإيراني في الشأن العربي والسماح لأذرعها المشاغبة بإثارة الشغب والعبث في أكثر من عاصمة عربية. ولعل من المثير الإشارة إلى أن هذه المناورات تهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف السعودية. فبعد تشديد الطوق الدبلوماسي الذي اتخذته السعودية ضد إيران تأتي هذه المناورات كرسالة دعم وتضامن للسعودية من تلك الدول التي شاركت فيها، كما هي إبراز وإظهار للقوة العسكرية على ضوء وجود أكبر قوتين عربيتين ضمن القوى المشاركة وهما السعودية ومصر.
إضافة إلى ما سبق، فإن توقيت هذه المناورات وتحديدا بعد تكوين التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، يؤكد على مبدأ تعزيز التعاون وتوثيق التفاهم العسكري بين قوى التحالف. وهو بلا شك يعكس أن الدول المشاركة تقف صفا واحدا لمواجهة كافة التحديات والحفاظ على السلام في الشرق الأوسط. كما أنه نموذج للعمل الإسلامي والعربي المشترك لدرء الخطر أيا كان مصدره. وهو بلا شك يمثل نقلة نوعية في استخدام كافة أنواع الأسلحة ويعطي إيران رسالة واضحة للكف عن التدخل في الشؤون العربية عامة ودول الجوار خاصة.
الحقيقة أن للسعودية عدة أهداف في سوريا تصب في مصلحة الشعب السوري أولا وأخيرا، ومنها منع سقوط مدينة حلب تحت سيطرة النظام السوري، وإزاحة بشار الأسد عن السلطة، كما لا تقبل بالتواجد الإيراني أو الروسي بل تعمل على إخراجهما من سوريا، وهذا لا يتم إلا بطريقتين: محاربة “داعش” بما ينهي الازدواجية الإيرانية في صنعها للتنظيم وتوظيفه لصالحها وادعائها محاربته لها، أو تركهما للشعب السوري الذي لن يقبل بوجودهما. لهذا السبب وغيره قامت بإنشاء التحالف العسكري الإسلامي ونجحت في ذلك، كما عملت على توحيد المعارضة السورية ونجحت في ذلك، ثم تبع ذلك كله قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الذي يطالب بوقف إطلاق النار والبدء بالمفاوضات.
عملية توقف جنيف 3 وما أدت إليه من عقد لمؤتمر ميونيخ وانتهائه بثلاثة بنود واردة أصلا في القرار الأممي المذكور، كما انتهى إلى ما يمكن وصفه بالاتفاق على عدم الاختلاف، وكأنه، كما يمكن أن يلاحظه القارئ الجيد للأحداث، مجرد اتفاق إطار سيعقبه اتفاق نهائي. مما يعني، ببساطة، أن الأمر يتطلب إعادة ترتيب الأوراق في سوريا وإعادة رسم خارطة القوى فيها. ولعل هذا ما دعا روسيا إلى عدم التوقف عن قصف المعارضة المعتدلة وعن دعم قوات النظام السوري لتحقيق المزيد من المكاسب على الأرض. كما هو السبب الرئيس خلف موافقة السعودية على الطلب الأميركي للدخول إلى الأراضي السورية لمقاتلة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني دعم المعارضة السورية في قتالها مع النظام بعد تأمينها من تلك التنظيمات، إلا أن توقيت نشر القوات البرية السعودية في سوريا مرهون بقرار التحالف الدولي.
ولعلنا نترقب كذلك إبريل القادم، حيث سيتم ترسيم التحالف العسكري الإسلامي الذي سيرى فيه النور فعليا، وفيه أيضا قمتان: عربية في المغرب وإسلامية في إسطنبول. وهذا لا شك أنه يعطي انطباعا واضحا عمّا يجري بخصوص سوريا وماهية الاتفاق النهائي، الذي سيتبع اتفاق ميونيخ، إن حدث. أما الموقف الروسي فهو موقف لا تحسد عليه موسكو حتى في ضوء تحقيقها لبعض الانتصارات لصالح النظام السوري، فقد انزلقت إلى حرب باردة لا تعلم هي نفسها كيف ستنتهي، إلا أن المؤكد هو عدم رضوخ الشعب السوري للتواجد الروسي على أرضه، مما يعني ببساطة أن النهاية ستكون بمغادرته للأرض السورية. وهذا ينطبق كذلك على إيران مما يعني توقف مشروع الهلال الفارسي وتوقف العبث الإيراني في المنطقة منذ نشأة إيران قبل 37 عاما، فالفيحاء دمشق لم تكن عبر التاريخ بغداد.
ما أود طرحه في ختام المقال هو ما قرأته من أحد المغردين العراقيين، حيث تحدث عن اختفاء قطعة مشعة من مدينة شيعية جنوب العراق، وعن إشاعة أنها وقعت في يد ميليشيا متطرفة والإعلان عن الخشية من أن تقع في يد داعش. وإشارته إلى أن إيران تحضر لعملية من نوع ما. هذا معناه أن على قوى التحالف التي تقوم بالمناورة الحرص من الخبث الفارسي وآلية تنفيذه للعمليات الإرهابية له أو عليه، في أرض الغير بالطبع، والمقصود هنا العراق.