2019-08-28 

من #سوق_عكاظ مع التحية: القيم أولاً... القيم أخيراً

سلطان السعد القحطاني

بسم الله الرحمن الرحيم،،،

 

أيها الأحبة الكرام

سعيد أن أكون بينكم هذه الليلة، في هذا الملتقى الثقافي المهم، الذي كان صوتاً ضاربا في الأزل، وفي عمق تاريخ جزيرة العرب.. 

بل في تاريخ العربية لغة، وثقافة، وإنسانا...

 

حديثنا اليوم عن القيم الاعلامية في عصر الاعلام الجديد..

والقيم الاعلامية ليست اختراعا محصورا في هذا الفن المهم، بل هي إحدى الأصداء الثقافية الحية التي كان أساسها منظومة القيم بشكل عام. 

 

إن الحديث عن القيم الإعلامية لابد وأن يبدأ بالحديث عن القيم الانسانية، لأنها الأساس الذي قامت عليه منظومة القيم التابعة، والتي تفرعت في كل مناحي الحياة. 

 

إن القيم بمثابة القوانين غير المكتوبة، التي تضبط إيقاع حياتنا، وتهذب أرواحنا، وتثري عملنا..

 

وليس صدفة أن كل الرسالات السماوية، وكل الأديان، كان تركيزها الأكبر على القيم، وكيفية زرعها، وبناءها...

 

وكيف أن حاملي هذه الرسالات السماوية، كانوا أرفع الخلق، قيمة، ومقاما، وقامة، وخلقا.

 

ولعلكم تلاحظون أيها الحضور الكريم، أيضا أن الأديان كلها ركزت على ترسيخ القيم في رسالاتها اكثر من العبادات، فبغياب القيم، وزرعها في النفوس، تصبح الحياة فوضى عدمية، ذلك أن القيم، صلاح النفس، وتهذيب لها، والنفس الصالحة عنصر بناء هام للإنسان ومحيطه. 

 

لذلك فإن الدين يعتبر أساساً مهماً في بنيان القيم، وهو الذي تخلقت منه منظومة القيم بشكل عام، وتطورت مع الزمن، ذلك لأنه المشروع المتكامل السامي الذي حمل حزمة الأفكار الخليقة ببناء القيم، منذ آلاف السنين. 

 

ومن الدين تحولت القيم إلى ممارسة، وثقاقة، وأصبح لها بعدها الإنساني المميز. 

 

وحين تتعرض القيم في أي بلد، أو إقليم، أو مؤسسة للازدراء، فإن كثيراً من البنيان الإنساني، والروحي، يتهاوى. 

 

وقد يقبل المرؤوسون في أي مكان، رئيساً يخطئ، أو يزل، لكنهم لا يحترمون، ولا يتبعون، قائداً فقد قيمه. فمن فقد قيمه كمن فقد روحه ، ولا يمكن اتباع الموتى !

 

وبالحديث عن الإعلام أيها السيدات والسادة، فإن قواعد المهنية الضابطة له في أي مجتمع حي، دليل على ارتقاء القيم، واحترام الثقافة، وحيوية الإنسان. 

 

والمهنية هي أهم قيمة من قيم الإعلام، فإذا فقدها الإعلام، وغفلت عنها المؤسسة الإعلامية، فهذا يعني أنها تحولت إلى عنصر هادم لفكرة الوطن، وصورة المواطن، وأسهمت في تخلفه.. 

 

إن التغيّرات التي طرأت على القيم في مجتمعاتنا، ألقت بظلالها الكئيبة على القيم الإعلامية، وتسببت في تغير كثير منها، والتأثير على الأكثر، وقلبت الموازين، وهزت المفاهيم. 

 

لقد قيل لنا أن هنالك إعلاما جديداً ... ولا بأس، فالحياة تدفق مستمر، وتغير دائم، فالنهر اذا توقف عن التدفق فقد ميزته الأساسية، وهي الحيوية، والنقاء، والتجدد. 

 

ولذلك استقبل كثيرا مما يطرأ على المهنة من تطورات بفرح وحبور، ولكنني ألحظ وأرى، أن هذه التغيرات قد هزت مجموعة من القيم حولنا ...

 

نعم إن العالم يتغير ، والاعلام عنصر من العناصر التي يطرأ عليها التغيير، فهذه سنة الحياة ..

لكن لكل تغيّر ضوابطاً، وحدودا .. إذا ذهبت فإنها تعود بصعوبة... وقد لا تعود.  

 

إنني أرى في ما يسمى بالإعلام الجديد، كثير مما لا يمت للاعلام بصلة .. رغم أن هنالك تجارب تستحق التقدير، والإحترام، والفخر، من أناس صنعوا المعرفة، ودعموا الانسانية، وأسهموا في نقل القيم الوطنية وتعزيزها. 

 

الا أن البعض حاول من خلال الإعلام الجديد بث قيم جديدة لا علاقة لها بمنظومة القيم المتعارف عليها، والتي بنيت عليها المجتمعات في المنطقة. 

 

لقد أصبحنا نرى كثيراً مما لا يجب أن يُرى، وسمعنا كثيرا مما لا يجب أن يقال. 

 

لقد كانت الكلمة لا تخرج في الصحيفة، أو المنصة الإعلامية، إلا بعد تدقيق مطول، ولا يظهر المذيع إلا بعد تدريب مكثف، وكانت هناك دورة طبيعية محكومة الإيقاع، مضبوطة النغم، ليكون المنتج متوائما مع قيم البلاد، والعباد، والمهنة ..

 

أما الآن فالكل يستطيع أن يقول كل ما يريد، حيثما يريد، ووقتما يريد، وانهارت الحدود، والضوابط.

 

والخوف في حال استمرار هذا الاستمراء، المستمر، للهجوم على القيم، أن يتحول الامر إلى عادة يظن الجيل الجديد انها قانون حياة، وأسلوب معيشة. 

 

ففي هذا العالم المفتوح على مصراعيه، أصبح يقال ما لا يجب أن يقال، ويفعل مالا يجب أن يُفعل  

وتلاشت قيم الحياء، والمهنية، والتقاليد، بشكل كبير، ومخيف ...

 

إن المجتمعات التي تتعرض لهزات تطال منظومة القيم تزداد حيرتها، وتصبح القيم موضع مساءلة، وتختلط المفاهيم .. ولقد مرت بها قبلنا مجتمعات اكبر، وتحاور حولها مفكرون، وصدرت عنها الكتب..

 

ولعلنا نتذكر حكاية الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون ومونيكا .. وكيف أن القائد تورط في ما لا يجب أن يتورط فيه، وكذب تحت القسم، وكانت المشاهد لفصول المحاكمة، والتحقيق، مع الرجل الأول في البلاد، بمثابة صراع بين القيم، والمقدسات الأخلاقية، حتى زادت الحيرة، وجعلت مفكر ا بحجم ويليام بنيت يصدر كتابه الشهير "وفاة الحياء في أمريكا"..

 

وهناك كتب كثيرة حول هذه الجانب، الذي يقدم قراءته الثقافية لظاهرة الحيرة في المجتمعات التي تعرضت لهزات أخلاقية، وهي كتب تتحدث عن زمن التفاهة، وانهيار السياق، وانتحار المعنى ... وكلها مساءلة لقيمنا المستحدثة في هذا العالم الجديد. 

 

أيها الاحبة الكرام...

 

رحلة في عوالم المحتوى الإلكتروني بمختلف تنوعاته كفيلة بنقل الصورة المخيف مجملها، حول جيل جديد يغير.. ويتغير... 

ووسائل جديدة تتمرد على قيمها القديمة..

ولعل السبب في ذلك أننا أمام جيل يعيش عصر تحولات أكبر مما يستطيع وعيه امتصاصها، وتقييمها، والتعامل معها..

إنه جيل فقد قدوته، وبوصلته، وعالم سريع الإيقاع، قليل الإنضباط. 

 

إن هذا السيل العرم من المحتوى الاعلامي، وغير الإعلامي، الذي جعل لكل ساعة صغيرة، قصة كبيرة، جعل من الصعوبة على كثيرين ايجاد وقت للتدقيق، والنقد، والمراجعة. 

 

هذه ظاهرة بحاجة لدرس،وتحليل، واستيعاب، لتتضح الصورة أمام جيل حائر، أو مأخوذ، برؤية هذه القيم تتساقط أمامه دون حساب.. 

 

والهجوم الذي تتعرض له القيم، تتعرض له المهنة أيضا، فلقد دارت عليها الدوائر، وتقلص تأثير كثير منها، ولم تعد تملك تلك المرونة التي تؤهلها للتعامل مع سوق متغير، وقارئ جديد ..

 

وهذا الأمر فتح الباب أمام المتابعين للإنصراف عن متابعة تلك المؤسسات المهنية المنضبطة، إلى أفراد ليس لديهم ذلك الوعي الكافي بالرسالة الإعلامية، ولا معرفة لكينونة الشخصية المهنية لحامل الرسالة، والمعلومة. 

وحين يتصدى للإعلام شخصيات غير إعلامية، فإنك أمام قيم مختلفة، وحدود مهنية متغيرة. 

 

يقضي الصحافي عقوداً من العمل في عالم المهنة، ولا يظن أنه وصل، ويجفل كلما قرأ كتابا، أو حصد معلومة، ويخاف كلما أطل على على جبل المعرفة من بعيد، لأنه يعرف أن للكلمة ثمن... وللفعل حساب ...

 

بينما على المقلب الآخر تجد أشخاصا اشتهروا بتصرفاتهم المهينة، أو نكتهم الجوفاء، أو أفعال غير أخلاقية، وقد أصبحوا مراجع إعلامية، تقدمها المؤسسات على أنهم صفوة مثقفي البلاد، ونخبة إعلامييها. 

 

لقد اختلط الحابل بالنابلكما يقال في عالم المهنة، وأصبحت صراعا مستعراً بين الإعلاميين، والإعلانيين. 

 

إلا أن ما يثلج الصدر أن هنالك من استغل تأثيره في زيادة الوعي ودعم العمل الإنساني. . 

 

أيها الاحبة أعود بكم إلى العنوان الرئيسي لهذه الندوة.. وهو القيم الإعلامية.. والحديث لابد وان يبدأ بهذه القيم وماهيتها..

 

إن القيم الإعلامية هي الخطوط الحمراء التي وضعتها المهنة للمهني ليتحرك حولها، وخلالها، وأمامها، حافظا لهذه المهنة أصولها، ووقارها...

 

إنها المصداقية ... النزاهة.. الأمانة. 

 

وفي ظني أنها قيم لا تختلف عن أي قيم، في أي مهنة أخرى. 

 

إن ما يميز الإعلامي الحقيقي وهو وجود الحدود والضوابط، والقواعد المهنية، التي تحكم المحتوى قبل ظهوره للمتلقي، بينما ألحظ في ما يسمى بالإعلام الجديد أن القيم تعرضت لحالة سيولة مخيفة، أثرت سلبا على المحتوى الإعلامي، وجعلت دقته، ومصداقيته، موضوع تساؤل مستمر. 

 

ولعل الحديث عن الإعلام الجديد يقودنا للتساؤل حول شكل وطبيعة هذا الإعلام الذي قيل لنا بأنه جديد، رغم تحفظي على هذا المسمى، فالإعلام كتلة واحدة، ولكنها تتطور، ولعل الذين سوقوا لهذا الاسم حاولوا استغلال معناه الفضفاض، للقفز على المهنة، وأن يصبحوا إعلاميين في ليلة وضحاها. 

 

إنني لا أرى في المحتوى الإعلامي الذي يبث عبر  التطبيقات المختلفة، إعلاما جديداً، بقدر ما هو طريقة جديدة لإيصال المحتوى الإعلامي ..

 

إنها مهنة تتطور، وبالتالي تتطور تقنياتها ، وأدواتها، وستظل تتطور ، وستبقى هي المرجع الحقيقي في الأحداث الكبرى، ولن يحل عنها بديلا. 

 

شكرا لانصاتكم،،

ولكم مني خالص التقدير. 

 

 

 

 

 

  •  

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه